الكوتش اسمر جديد
عدد الرسائل : 23 العمر : 31 تاريخ التسجيل : 30/04/2008
| موضوع: قصة زواج نمر بن عدوان من ( وضحى ) الخميس مايو 08, 2008 1:35 am | |
| عينان ساحرتان ، شجاعة نادرة ، كرم عجيب ، قوام كالسمهر ، وهيبة آسرة ، وعلم جم ، شاعر موهوب ، إحساس مرهف ، يعرف قدر نفسه ، لا تيه ولا ازدها ، صوت يناجي القلوب إذا جر الربابة ، سَبَق محيطه ، معرفة لقدر المرأة ، إكراما لتلك الأم التي كان يشعر بأنها تعيش من أجله . بهذه الأوصاف والمزايا عاد ( نمر ) ، أمير شعر الأردن في البادية ، عاد إلى القبيلة ، وكأن القدر قد رتب زيارة السائحة مع عودة ( نمر ) من الأزهر ، لم تمح صورته الحبيبة إليها من قلبيها ، فاضت الدموع من عينيها ، وهي تستقبله ، رأته فارسا بعد أن وَدَعته الأزهر يافعا ، فيالعظمة فرحتها ! رأت بندقيته المجوهرة ، وشاهدته معزا بها فوعدته ببندقية متطورة ، جعلت الفرسان يحسبون له ألف حساب !. كانت تلك الهدية قد ملأت قلبه سرورا ، فهو يريد أن " يتباهى " بها ، لأنه لامثيل لها . فذهب مع مجموعة من شبان الحي ، الذين يتحدون الذي يغارون منه ، وكانت الرحلة في أيام الربيع ، أيام كانت أسراب الظباء تغطي سهول ( مادبا ) ، قبل أن يقطعها ( مدحت باشا ) – الذي كان يكنى بـ ( أبي الأحرار ) – للعشائر التي سكنتها عام 1880م ، على أثر نزوحها من ( الكرك ) . في ذلك اليوم كان فوج من فتيات ( بني صخر ) اللائي يشبهن الظباء ، يستقين من أحد الغدران فمال ( نمر ) ورفاقه الى الغدير ، متذرعين بأنهم يريدون أن يشربوا ، ويوردوا خيلهم ، سلم ( نمر ) ورفاقه على الفتيات ، فحيوا بأحسن من تحيتهم ، فاسترعت بصر ( نمر ) فتاه ، كانت قد ملأت الجود " قربة صغيرة " الذي معها فطلب منها ( نمر ) الجود ليشرب ، فناولته اياه فلامست يده يدها فأحس بما يشبه تيارا من الكهرباء يسري في قلبه ، نظر عليها ليشكرها ، فغضت من بصرها حياء فازداد بها إعجابا ، فسألها عن اسمها فخجلت ، وأرتبكت ولأن الفتيات أخذن يرشقنها بنظراتهن ذات المغازي ، فانبرت أختها الصغرى ، كأنما هي تريد أن تنقذ شقيقتها من المأزق ، بلهجة بدوية : وش لك باسمها ؟ ( هذي إختي أسمها وضحى بنت فلاح السبيلة القضاة من بني صخر ، وأنا اسمي ( وطفا ) على الخير والشر ، عسى مالك عند أهلها اطلابة ؟ أجاب ( نمر) : والله لايسمح ، نشدت عن اسمها حيث هي أكرمتنا وشربنا من الجود اللي معها ، وصار واجب علينا أن نعرف اسمها حيث الماء جانب من الضيافة والمعزب يشكر ! أجابت ( وضحى ) باستحياء : أنتم قناصين ما انتم من عربنا ، لغوتكم ماهي لغوتنا ، أنتم ضيوف ، باسم صاحب الشق عليكم جيرة للغدا افلحوا والفلاح ما ينلطم ، والبيوت ماهن بعيدات . أجاب ( نمر) ، : كثر الله خيركم ، إن يسرّ الله ، فالوجه منا عليكم إن شاء الله . صفات ( وضحى ) قوام معتدل الى الطول أميل منها إلى القصر – عينان سوداوان ، شعر أسود طويل ، تكاد جدائله تلامس التراب بدليل قوله يرحمه الله : اللي جدايلها تنوش التراب ؟ هدب عينها طويل ، جميلة المحيا ، باسمة الثغر، هذه بعض صفاتها الظاهرة . أما مزاياها فكريمة . لاتتدخل في شؤون جيرانها ، لم تر في حفلات السامري ، غضيضة الطرف ، صادقة المقال ، لم تستعر حاجة من جارة لها ، لأنها كانت ترى ان العار والاستعارة من أصل وأحد ، لم تدخل في جدل مع نمر . تكرم أقرباء نمر وترى فيه عالمها ، لم تنم مرة قبل حضور نمر من مجلس الرجال ، مهما طالت سهرته ، واذا جاء مهموما أخذت تسليه إلى أن تسري عنه بدليل قوله : إن جيتها زعلان قامت ترضين** مثل الشفوق اللي تلهله ولدها ! كان حب نمر وضحى من النظرة الأولى ، لكن لم يكن فيه موعد ولا لقاء ، اذ شعر كل منهما أنه خلق لصاحبه ، إذا أسر نمر لأ حب رفاقه إليه قائلا : والله يافلان إن ( وضحى ) خذت قلبي ! أجاب رفيقه : الله يكتبها لك ، ويجعلك من نصيبها ، ما دمنا عرفنا البنت ، وعرفنا أهلها من ( بني صخر ) ، وهم أحباب وأصحاب ، مابقي مانع يمنع من خطبتها ! وصل نمر إلى العرب وقد اصطاد ظباء وحماما وحجلانا كثيرة ، فرحت أمه بصيده صيد بندقيته الجديدة ، فوزعت منها على البيوت القريبة . في النهار التالي ذكر( نمر) لأمه حبه لـ ( وضحى ) ، فأسرعت تبشر عمه ( بركات ) بأن ( نمرا ) قد وجد له عروسا من ( بني صخر ) ! سأل ( بركات ) أم ( نمر) : هل تعلل ( نمر) مع البنت ؟ أجابت : لاتعلية ولا غيرها تناولت النساء قضية ( نمر ) وعمه ( بركات ) وأمه ( نوفة ) ، إذ كيف يقدم شاب معروف على التخلي عن بنات عمه - العدوانيات- ويخطب أجنبية ؟ وكان الشيخ ( حمود) – الناقم على ( نمر ) – اشد الناس معارضة للفكرة ، إذ قال : باطل كل العدوانيات ما فيهن اللي تملا عين هالقاروط ؟ على ويش حاله : ماعمر خيب قوم سوى نفيلة***إلا في قضب الورق والدفاتر! معنى بيت الشعر : أي لايعرف عن متعلم في عشيرة أنه صنع صنيعا حسنا – غنيمة إلا في كونه يمسك القلم والأوراق – إن كان مثل التفاهة تعد مغنما! أما ( نمر ) فإنه ظل مصراً على رأيه ، توجهت الجاهة من وجهاء العدوان والأعيان ، ما عدا الزعيم المنافس – وقصدت الجاهة منا زل ( السبيلة ) القضاة ، فقدمت القهوة ، فامتنع كبير الجاهة من شرب القهوة قائلا : حنا طلابين وعسانا من عند الله ومن عندكم ما حنا خايبين ، نريد منكم مهرة تأكل بايدها ، ما تاكل باثمها ، نريد ( وضحى ) ، ترخصون لي أشوف البنت وأمها . دخل ( فلاح ) المحرم واستشار ( وضحى ) وأمها فرحبتا بالجاهة فعاد مرحباً ، وقال : حياكم الله اشربوا قهوتكم ترها جتكم عطية ما من وراها جزية جعلها الله صبار ابركة ! أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) : ما تنسام بمسام ، مير الهدية عند أجاويد الله لها جزية ، جزيتها تصل المراح باقرب وقت إن شاء الله أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) ما تقصرون إن شاء الله . شربت القهوة ، وذبحت الذبائح وبعد العشاء جاءت الجاهة الى مضارب العدوان ، فاستقبلت في عرب العدوان بشيء من التجهم ، هذا من حيث العدوان ، أما عرب السبيلة ، فإن ابن عم ( وضحى ) ، جاء معترضا بأنه أولى بابنة عمة ، وكاد هذا الاعتراض يحدث مشكلة . لكن والد وضحى تدارك الأمر بحكمة وقال : هذي وطفا بنت عملك ، وما بين بنات العم خيار ، فالقمة حجراً . لم تمض أيام ، حتى كانت الجزية عند الشيخ فلاح في مراحه ، فمنهم من يردد قول ( نمر ) : ماسقت بيها غير خمسة وثمانين*** بيهن ابكار وبعض يدرج ولدها ! ومنهم من يردد قولا منسوبا اليه : ماسقت بيها غير مية وتسعين *** معهن أعبية وعبد يرعى جلدها لم يمض شهر حتى كان الوفد من أهل العريس من قبل العدوان في عرب السبيلة لزفاف ( وضحى ) ، وقد أعدت ( البرزة ) قبل إحضار العروس . فلما دخلت ( وضحى ) البرزة صمدت . دخل ( نمر ) فحلف لها أنه لن يعرف غيرها من النساء امرأة مادام الله كاتبا لهما الحياة ، وعزز ذلك ببيت من الشعر يروى : مازولك حية ، وأنا ماتوفيت ***يحرم عليك سمعك للطلاق حشمها سبع ليال حشمة بنات الأمراء وكبار الشيوخ . فسارت الحياة بينهما كأنها أنشودة غرامية يزفها عازف ماهر . الأمر الذي ملأ بعض القلوب غيرة وحسداً ، خاصة قلب الشيخ ( حمود ) الذي راى حياة ( نمر) تزداد إشرقا ، من يوم إلى يوم . وفوق هذا فإن القبيلة رأت في حياة ( نمر ) شبه ثورة على القاليد والعادات التي كانت تقدس الأم ، فالام ما دونها دون ، ولا شيء يكون ولأخت مجال فخر ، فإذا ضيم الأردني هتف ! " أنا آخو فلانة ! " أما الزوجة فأن التقاليد والعادات تخفض من قيمتها . فقد كان الزوج إذا أراد أن يذكر زوجته ، يكني عنها ، بمثل قوله : أ-الحرمة – الله لا يحرمك لذة الدنيا ، ويكرّمك من هالطاري ب- المرة – الله لا يمرمر لك ريق . ج - أم الاعيال – الله لا يعيل لك أمر . د – إمرتي – حيشاك ، وأنت أكبر قدر. هـ- الأنثى – الله لا ينثي لك بخت و- ألوية – الله لا يولي عليك ظالم . ولم تكن تقاليد العادات تسمح للزوجة أن تنادي زوجها باسمه أو بكنيته ، حتى لو كان واقفا أمامها ، أو الى جانبها . إلى هذا الدرك الأرذك وصلت الزوجة ، ليس هذا عندنا وحدنا ، بل كان عاما ، فقد ذكر الأستاذ ( محمد جميل بيهم ) في كتابه النفيس ( المرأة في حضارة العرب ، والعرب في تاريخ المرأة ) ، ذكر أمورا مخجلة محزنة ، وسمى الديار التي كانت تفرض على الأنثى ، إذ بلغت السادسة من عمرها وأدا بلا قبور . وكانت البدوية أحسن حالا من القروية والحضرية ، وقد ثار ( نمر) على كل هذه الخرافات والخزعبلات ! فقد كان إعفاء ( نمر) لــ ( وضحى ) ، من كل ماكان مألوفا يومذاك ، ثورة إجتماعية أثارت الرجال على ( نمر) ، وأثارت النساء على ( وضحى ) . فصار الرجال يطلبون من كل زوجة أن تتشبه بــ ( وضحى ) . من غير أن تتيح لها الفرصة المتاحة لــ ( وضحى ) ، وصارت النساء يطلبن من كل رجل أن يتشبه بــ ( نمر) معاملة للمرة ، غير مقدرات الظروف التي تهيأت لــ ( نمر) . وقد كان ضرب المرأة أمراً عاديا ، يشير إلى ذلك قول احداهن: ع الأسمراني ع الأسمراني !***هاللي سلامه بالخيزران ِ " وضحى أم البنات ! جيابة البنات ! قبل أن ترزق ( وضحى ) ( عقاباً ) وإخوته ، ولدت طفلة ، ففرحت جاراتها - منافساتها- على ( نمر ) ، وزادت الشماته يوم ماتت الطفلة ! لم يمض حول ، حتى ولدت ( وضحى ) طفلة ثانية ، فطارت الشامتات فرحا ، صرن يهمسن بينهن : " جيابة بنات ، الله لا يقيمها ولا يقيم ( نمر) معها. متزنطرة ( متكّبرة ) و ( نمر) ماهو شايف بالدنيا أحد غير ( وضحى ) ، وفوق هذا تحلف الداية أن ( نمر) حب ( وضحى ) على جبينها وهي نفساء ، قبل ما يصير لها ثلاثة أيام ، والناس كلها تدري أن النفساء أم البنات ما تنلمس قبل شهرين ، وأم لولد لا يجوز لمسها قبل الأربعين ، وهكذا ضجت النساء بصوت واحد : يا الله دخلنا عليك ، وش صاب ( نمر) هالمنصب هو انجن ؟! وكانت النساء يتوقعن أن تسقط منزلة ( وضحى ) عند ( نمر) ، لأنها ولدت طفلتين ، وقد ذهل الجميع يوم علموا ، أن حبه لها أزداد عما كان عليه يوم زواجهما ، وكانت القبلة التي طبعها على جبينها ، والنساء نظرن أعظم دليل ، لأن مثل هذا الأمر ، لم يسبق له مثيل ، لأن النفساء أم الولد تظل نجسة - في رأيهم- إلى الأربعين ، فلا يأكل زوجها من يدها شيئا أما المؤاكلة ، مؤاكلة الزوججة فلم تكن مقبولة ، لأنها تسقط الرجل : لاعتقادهم أن من يؤاكل زوجته يجب أن يطلقها لأنها تضحي بمنزلة أخته ، فقد كانوا اذا أرادوا الطعن في رجولة رجل عيروه بقولهم " إمواكل امرته ! " أجل كان حب ( نمر) لـ ( وضحى ) معلناً ، كأنه يريد أن يتحدى العقلية المتحجرة ، فسارت حياتهما سعيدة ، لم يعكر صفوها سوى موت الطفلة الطفلة الثانية ، وفي الحول الثالث ولدت مولوداً ذكراً أسماه (عقاباً) ، وكني ( نمر) بــ ( أبو عقاب )!. | |
|